فصل: 1- التكليف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.التدرج في تحريم الزنا:

يرى كثير من الفقهاء أن تقرير عقوبة الزنا كانت متدرجة كما حدث في تحريم الخمر، وكما حصل في تشريع الصيام.
فكانت عقوبة الزنا في أول الأمر الايذاء بالتوبيخ والتعنيف.
يقول الله سبحانه: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما}.
ثم تدرج الحكم من ذلك إلى الحبس في البيوت.
يقول الله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أن يجعل الله لهن سبيلا}.
ثم استقر الأمر، وجعل الله السبيل، فجعل عقوبة الزاني البكر مائة جلدة ورجم الثيب حتى يموت.
وكان هذا التدرج ليرتقي بالمجتمع، ويأخذ به في رفق وهوادة إلى العفاف والطهر، وحتى لا يشق على الناس هذا الانتقال، فلا يكون عليهم في الدين حرج، واستدلوا لهذا بحديث عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي.
ونرى أن الظاهر أن آيتي النساء المتقدمتين تتحدثان عن حكم السحاق واللواط، وحكمهما يختلف عن حكم الزنا المقرر في سورة النور.
فالآية الأولى في السحاق: {واللاتي ياتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا}.
والثانية في اللواط: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما}.
1- أي والنساء اللاتي يأتين الفاحشة وهي السحاق: الذي تفعله المرأة مع المرأة فاستشهدوا عليهن أربعة من رجالكم، فإن شهدوا فاحبسوهن في البيوت بأن توضع المرأة وحدها بعيدة عمن كانت تساحقها، حتى تموت أو يجعل الله لهن سبيلا إلى الخروج بالتوبة أو الزواج المغني عن المساحقة.
2- والرجلان اللذان يأتيان الفاحشة - وهي اللواط - فآذوهما بعد ثبوت ذلك بالشهادة أيضا، فإن تابا قبل إيذائهما بإقامة الحد عليهما، فإن ندما وأصلحا كل أعمالهما وطهرا نفسيهما فأعرضوا عنهما بالكف عن إقامة الحد عليهما.

.الزنا الموجب للحد:

إن كل اتصال جنسي قائم على أساس غير شرعي، يعتبر زنا تترتب عليه العقوبة المقررة من حيث إنه جريمة من الجرائم التي حددت عقوباتها.
ويتحقق الزنا الموجب للحد بتغييب الحشفة - أو قدرها من مقطوعها - في فرج محرم، مشتهى بالطبع، من غير شبهة نكاح، ولو لم يكن معه إنزال.
فإذا كان الاستمتاع بالمرأة الاجنبية فيما دون الفرج، فإن ذلك لا يوجب الحد المقرر لعقوبة الزنا، وإن اقتضى التعزير.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها، دون أن أمسها، فأنا هذا، فأقم علي ما شئت فقال عمر: سترك الله لو سترت على نفسك، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فانطلق الرجل، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا، فدعاه، فتلا عليه: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين}.
فقال له رجل من القوم: يا رسول الله أله خاصة، أم للناس عامة؟..فقال: للناس عامة رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

.أقسام الزناة:

الزاني: إما أن يكون بكرا، أو محصنا - ولكن منهما حكم يخصه:

.حد البكر:

اتفق الفقهاء على أن البكر الحر إذا زنا فإنه يجلد مائة جلدة، سواء في ذلك الرجال والنساء، لقول الله سبحانه في سورة النور: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.

.الجمع بين الجلد والتغريب:

والفقهاء، وإن اتفقوا على وجوب الجلد، فإنهم قد اختلفوا في إضافة التغريب إليه:
1- قال الشافعي وأحمد: يجمع إلى الجلد التغريب مدة عام، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رجلا من الاعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنشدك الله ألا قضيت لي بكتاب الله، وقال الخصم الآخر - وهو أفقه منه -: نعم، فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة.
فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وان على امرأة هذا الرجم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لاقضين بينكما بكتاب الله - الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام - واغد يا أنيس رجل من أسلم إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها قال: فعدا عليه فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت».
وروى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنا ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد عليه.
وأخرج مسلم عن عبادة بن الصامت، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم».
وقد أخذ بالتغريب الخلفاء الراشدون - ولم ينكره أحد - فالصديق رضي الله عنه غرب إلى فدك - والفاروق عمر رضي الله عنه إلى الشام - وعثمان رضي الله عنه إلى مصر - وعلي رضي الله عنه إلى البصرة.
والشافعية يرون أنه لا ترتيب بين الجلد والتغريب فيقدم ما شاء منهما، واشترط في التغريب أن يكون إلى مسافة تقصر فيها الصلاة، لأن المقصود به الايحاش عن أهله ووطنه، وما دون مسافة القصر في حكم الحضر، فإن رأى الحاكم تغريبه إلى أكثر من ذلك، فعل.
وإذا غربت المرأة، فإنها لاتغرب إلا بمحرم أو زوج فلو لم يخرج إلا بأجرة لزمت، وتكون من مالها.
2- وقال مالك والاوزاعي: يجب تغريب البكر الحر الزاني، دون المرأة البكر الحرة الزانية، فإنها لاتغرب، لأن المرأة عورة.
3- وقال أبو حنيفة: لا يضم إلى الجلد التغريب إلا أن يرى الحاكم ذلك مصلحة، فيغربهما على قدر ما يرى.

.حد المحصن:

وأما المحصن الثيب فقد اتفق الفقهاء على وجوب رجمه إذا زنا حتى يموت، رجلا كان أو امرأة.
واستدلوا بما يأتي:
1- عن أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهوفي المسجد، فناداه فقال: يا رسول الله، إني زنيت. فأعرض عنه ردد عليه أربع مرات.
فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أبك جنون»؟ قال: لا.
قال: «فهل أحصنت»؟ قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فارجموه».
قال ابن شهاب: فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال: كنت فيمن رجمه، فرجمناه بالمصلى.
فلما أزلقته الحجارة هرب، فأدركناه بالحرة، فرجمناه، متفق عليه، وهو دليل على أن الاحصان يثبت بالاقرار مرة، وأن الجواب ينعم إقرار.
2- وعن ابن عباس قال: خطب عمر فقال: «إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا، وإني خشيت إن طال زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله تعالى، فيضلون بترك فريضة أنزلها الله تعالى فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنا، إذا قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف، وأيم الله لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله تعالى لكتبتها» رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا.
وفي نيل الاوطار: أما الرجم فهو مجمع عليه، وحكي في البحر عن الخوارج أنه غير واجب، وكذلك حكاه عنهم أيضا ابن العربي.
وحكاه أيضا عن بعض المعتزلة كالنظام وأصحابه ولامستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن، وهذا باطل.
فإنه قد ثبت بالسنة المتواترة المجمع عليها.
وهو أيضا ثابت بنص القرآن.
لحديث عمر عند الجماعة أنه قال: كان مما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمناه بعده.
ونسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم، كما أخرج أبو داود من حديث ابن عباس.
وقد أخرج أحمد والطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة بن سهل عن خالته العجماء: أن فيما أنزل الله من القرآن: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة بما قضيا من اللذة».
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي بن كعب بلفظ: كانت سورة الاحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها آية «الشيخ والشيخة» إلخ الحديث.

.شروط الإحصان:

يشترط في المحصن الشروط الآتية:

.1- التكليف:

أي أن يكون الواطئ عاقلا بالغا.
فلو كان مجنونا أو صغيرا فإنه لا يحد. ولكن يعزر.

.2- الحرية:

فلو كان عبدا أو أمة فلارجم عليهما لقول الله سبحانه في حد الإماء: {فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} والرجم لا يتجزأ.

.3- الوطء في نكاح صحيح:

أي أن يكون الواطئ قد سبق له أن تزوج زواجا صحيحا ووطء فيه ولو لم ينزل.
ولو كان في حيض أو إحرام يكفي، فإن كان الوطء في نكاح فاسد فإنه لا يحصل به الاحصان ولا يلزم بقاء الزواج لبقاء صفة الاحصان، فلو تزوج مرة زواجا صحيحا، ودخل بزوجته، ثم انتهت العلاقة الزوجية. ثم زنى وهو غير متزوج فإنه يرجم.
وكذلك المرأة إذا تزوجت، ثم طلقت فرنت بعد طلاقها، فإنها تعتبر محصنة وترجم.

.المسلم والكافر سواء:

وكما يجب الحد على المسلم إذا ثبت منه الزنا فإنه يجب على الذمي والمرتد، لأن الزمي قد التزم الاحكام التي تجري على المسلمين، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا وكانا محصنين.
وأما المرتد فإن جريان أحكام الإسلام تشمله، ولا يخرجه الارتداد عن تنفيذها عليه.
عن ابن عمر: أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قدزنيا.
فقال: «ما تجدون في كتابكم؟» فقال: تسخم وجوههما ويخزيان.
«قال: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين».
وجاءوا بقارئ لهم فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه، فقيل له: ارفع يدك، فرفع يده فإذا هي تلوح.
فقال -أو قالوا- يا محمد: «إن فيها الرجم، ولكنا كنانتكاتمه بيننا فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما قال: فلقد رأيته يجنأ عليها يقيها الحجارة بنفسه» رواه البخاري ومسلم وفي رواية أحمد: بقارلهم أعور يقال له ابن صوريا.
وعن جابر بن عبد الله قال: رجم النبي صلى الله عليه رجلا من أسلم ورجلا من اليهود رواه أحمد ومسلم.
وعن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم.
فقال: أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ قالوا: نعم.
فدعا رجلا من علمائهم فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزنى في كتابكم.
؟ قال: لا. ولولا أنك أنشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم.
ولكن كثر في أشرافنا، وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد.
فقلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه».
فأمر به فرجم. فأنزل الله عزوجل: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأقواههم ولم تؤمن قلوبهم} إلى قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه}.
يقولون: ائتوا محمدا، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا.
فأنزل الله تبارك وتعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}.
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}.
قال: «هي في الكفار كلها» رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
رأي الفقهاء: حكى صاحب البحر الاجماع على أنه يجلد الحربي.
وأما الرجم فذهب الشافعي وأبو يوسف والقاسمية إلى أنه يرجم المحصن من الكفار إذا كان بالغا، عاقلا، حرا، وكان أصاب نكاحا صحيحا في اعتقاده.
وذهب أبو حنيفة، ومحمد، وزيد بن علي، والناصر، والإمام يحيى: إلى أنه يجلد ولا يرجم، لأن الإسلام شرط في الاحصان عندهم.
ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهوديين إنما كان بحكم التوراة التي يدين بها اليهود.
وقال الإمام يحيى: والذمي كالحربي في الخلاف.
وقال مالك: لاحد عليه.
وأما الحربي المستأمن فذهبت العترة والشافعي وأبو يوسف إلى أنه يحد وذهب مالك وأبو حنيفة ومحمد: إلى أنه لا يحد.
وقد بالغ ابن عبد البر فنقل الاتفاق على أن شرط الاحصان الموجب للرجم هو الإسلام.
وتعقب بأن الشافعي وأحمد لا يشترطان ذلك.
ومن جملة من قال بأن الإسلام شرط: ربيعة - شيخ مالك - وبعض الشافعية.